الفصل الثالث بقلم الدكتور بقلم د.أحمد أبو مطر_7
صفحة 1 من اصل 1
الفصل الثالث بقلم الدكتور بقلم د.أحمد أبو مطر_7
إبيّض شعره وتساقطت أسنانه
ويبحث عن زوجة طيبة
جواد عاد إلى العالم بعد 21
عاما من الإختفاء تحت منزله
- بغداد- » المؤتمر«: رأى رجل
عراقي نور الشمس, وتنفس الهواء النقي للمرة الأولى منذ عام 1981 ,حين غادر بعد
سقوط صدام زنزانته التي حفرها تحت منزله
هرباً من الاعدام.
وقالت كيت كونللي مراسلة صحفية
» الديلي تلغراف« اللندنية التي زارت جواد عامرسعيد في منزله الواقع في إحدى ضواحي
بغداد, أنه كان مختبئاً عن العالم والناس طوال 21 عاماً في غرفة ضيقة لا يزيد
عرضها عن 90 سنتمتراً وارتفاعها عن متر ونصف, حفرها تحت أرضية مطبخ المنزل, بعد أن
صدر الحكم عليه بالاعدام في عهد الطاغية صدام حسين. وقال جواد الذي خرج قبل خمسة
أسابيع من » زنزانته« التي حفرها بيديه »
لم تتحمل عيناي رؤية نور الشمس الساطع, ولكنني أشعر أنني نفس ذلك الشاب القوي الذي
قرر الاختباء في الثاني من كانون الأول عام 1981,رغم الهزال الذي أصابني خلالها,
وسأتذوق في كل لحظة طعم ثمار الحرية«.
وقالت والدته(74 عاماً) أنها
فقدت أحد أبنائها إبان الحرب العراقية الإيرانية, وحينها قررت أنها لن تقبل بفقدان
الآخر, وعبرت عن فرحتها بسلامة جواد قائلة» عندما عاد جواد إلى العالم من جديد,
أحسست بفرح كبير وكأنه يخرج من رحمي ثانية, وأشعر الآن أن مهمتي قد إنتهت, وأستطيع
الموت باطمئنان«.
وجواد, خريج العلوم الاقتصادية,
كان جندياً مكلفاً خلال الحرب الطاحنة بين العراق وإيران, وقد هرب من الجيش, مما
جعله مطلوباً للجهات الأمنية بتهمة التخلف عن الخدمة العسكرية أولاً, والانتماء
لحركة دينية معارضة, وهما تهمتان كافيتان للحكم عليه بالموت. كانت الأجهزة الأمنية
قد أمرت عملاءها من النساء والرجال بمراقبة منزل جواد, والطرق المؤدية إلى الحي
الذي يسكنه, وجمع المعلومات عن تحرك أفراد عائلته في محاولة لإلقاء القبض عليه,
وهذا ما جعله يفكر بحفر مخبأ له في المنزل, إضافة إلى إعدام ابن عمه الذي كان
مقرراً أن يصاحبه في هروبه من العراق, وكانت أمه » عزيزة دهش«, توفر له الطعام
والماء من فتحة صغيرة, ولم تطلع أحداً على سره.ودخل جواد زنزانته المنزلية
الثلاثاء, ليسترجع تلك الأيام التي حبس فيها نفسه لأكثر من عقدين, حيث مدد جسده
الهزيل على الأرض وأدخل ساقيه أولاً وانزلق من خلال فتحة صغيرة عبر نفق ضيق إلى »
عرينه« الذي يوجد في جهته اليمنى حفرة لا تتجاوز حجم كتاب كان يستخدمها كمرحاض.
وأوضح جواد » لدي كل ما أحتاج
إليه«, مشيراً إلى عدد من الحاجات المعلقة بترتيب على جدران الزنزانة مثل مروحة
يدوية مصنوعة من القش ومرآة وغلاية ماء وطباخ من صنع منزلي وساعة وفرشاة أسنان
ومنجل صغير. وقال أنه لم يكن يرى نور الشمس إلا من ثقب صغير في الزاوية اليمنى من السقف,
وأنه كان يتابع أخبار العالم من جهاز راديو ما يزال مثبتاً على محطة ال¯» بي بي
سي« العربية, بحيث أنه كان على إطلاع بأحداث غزو الكويت وحرب الخليج, وهزيمة
مارغريت تاتشر في الانتخابات, والحرب اليوغسلافية, ومصرع الأميرة دايانا, وحتى
إتفاق الجمعة العظيمة للسلام في ايرلندا. وخلال وجوده في مخبئه, كان جواد يقول
لأمه أن أيام صدام حسين معدودة, وتأكد له منذ أحداث 11 أيلول ,حين توعد الرئيس بوش في خطاب بملاحقة
الإرهابيين والإقتصاص منهم. وفي التاسع من نيسان الماضي, وبعد ثلاثة أسابيع من بدء
الحملة العسكرية على العراق, أُعلن عن سقوط صدام, فانتظر جواد حتى سمع أن القوات
الأمريكية حطمت تمثال الديكتاتور في بغداد, فقرر الخروج من ظلمة الزنزانة.
ويصف جواد أكثر اللحظات حزناً
له بأنها تلك التي سمع فيها بمقتل شقيقه كاظم في الحرب العراقية - الإيرانية عام
1986, ووفاة شقيقته » كاظمية« بمرض الإلتهاب الرئوي قبل ثلاث سنوات. وعن أكثر
اللحظات خوفاً يقول جواد أنها كانت حين تزوج شقيقي أحمد وحضر وعدد كبير من
المهنئين إلى منزله, وخشي أن يكتشف أحدهم سره. وتبحث عائلة جواد عن زوجة طيبة له,
ويوضح شقيقه أحمد (33عاماً ) قائلاً بنبرة حزينة :» إن الكثير من متع الحياة قد
فاتته, ونريد أن نوفر له الراحة لما تبقى من حياته«.
واليوم يفضل جواد المكوث في
المنزل, ولا يغامر بالإبتعاد كثيراً عن الكرادة وأهلها الذين وزعوا الحلويات حين
علموا بوجوده حياً بعد أن كانوا يظنون أنه قتل في الحرب أو أسره الإيرانيون خلالها.
ويؤكد جواد أنه سيبدأ البحث عن
وظيفة في قطاع الإقتصاد والإدارة ويقول » أريد أن أساهم في بناء بلدي وألتقي
بالناس من حولي«. ويضيف » وسأبقي هذه
الزنزانة على حالها لتذكر الآخرين بمعاناة الشعب تحت حكم النظام البائد«.
لقد أبقى جواد كل شيء في مكانه في تلك الزنزانة, التي غادرها الشهر الماضي عدا
علبة كبريت فارغة ,يحتفظ بداخلها بأسنانه التي تساقطت خلال سنوات نتيجة نقص
الكالسيوم في جسمه, وكيساً من البلاستيك
يحتوي على بقايا شعر رأسه ولحيته التي كان يحلقها بين الحين والآخر, وقال بنبرة
ألم » سأحتفظ بها للذكرى!«.
جريدة(المؤتمر) - لندن, 23 مايو
/آيار2003
منظمات حقوق الانسان تؤكد فقدان
300 ألف عراقي
علي ما زال يبحث منذ 21 عاماً
عن أمه وشقيقتيه جنان... وعلياء التي ولدت في المعتقل
يفتقد علي حسين شقيقته التي لم
يرها طوال حياته. كما يفتقد شقيقته الأخرى التي عاش معها أجمل أيام الطفولة,
ووالدته الحنون التي أخذتها عناصر أمن النظام الساقط في ليلة مظلمة منذ 21 عاماً.
يشير علي إلى الشوق الذي يعتريه لرؤية شقيقته الصغرى قائلاً: إنني أتوق لأن أحمل
شقيقتي الصغرى بين ذراعي وأخبرها بأنها هي الآن مع شقيقها الذي طالما رغب برؤيتها,
وأعلمها بأننا كنا نعاني مثلما هي كذلك.
وتعود تفاصيل القصة المؤلمة,
عندما داهمت عناصر الأمن منزلهم في منطقة ديالى, وألقوا القبض على والدته هادية
سعيد التي كانت حينها تبلغ من العمر أربعين عاماً, وعلى شقيقته جنان ذات الثلاثة
عشر ربيعاً, بجانب أخته التي لم يرها حيث كانت أمها حامل بها ووضعتها في السجن
وأسمتها علياء. وطبقاً لما جاء في الملفات العراقية فإن الأم قد نُفِذ فيها حكم
الإعدام , في حين أن الفتاتين توفيتا طبيعياً, ولكن البحث الذي تم عليهن لم يمكنهم
من العثور على جثثهن, وهذا يجعل الأمل باقياً في قلب علي وأسرته بالعثور عليهن
أحياء. وبطريقة ما فإن فقدان العائلة للأفراد الإناث فيها يعد جزءاً من القصص
العراقية المأساوية فهناك عشرات الألوف من العراقيين الذين لا يزالون يبحثون عن
أشقائهم وأبنائهم وآبائهم الذين اختفوا على أيدي مخابرات صدام حسين خلال زمن القمع
والاضطهاد الذي عانى منه الجميع, وما جدد الاهتمام بهذه المسألة هي تلك المقابر
الجماعية التي تم إكتشافها بالإضافة إلي معرفة الكثير من العراقيين عن الأعمال
الوحشية التي كان يمارسها صدام حسين والتي لم تفرق بين الجنسين, ويبحثون عن
أخواتهم وبناتهم وأمهاتهم.
والجماعات الوطنية التي إستعادت
ملفات الحكومة العراقية والتي توثق قضايا
إعدام مئات الآلآف من العراقيين, لا تزال تعمل على قدم وساق في تفحص ملايين
الوثائق ,والتي تحاول من خلالها تزويد العائلات العراقية بإجابات وافية حول عمليات
البحث عن أحبائهم الذين فقدوهم منذ زمن. وقد أشارت جماعات حقوق الإنسان إلى فقدان
أكثر من 300 ألف عراقي خلال السنوات الثلاث والعشرين الماضية, والغالبية العظمى
منهم ضمن فئات الرجال والأولاد المراهقين, وفي ظل الاكتشاف الحالي الذي يظهر مدى
الوحشية ,التي كان يمارسها النظام العراقي أثناء
حكم صدام في ظل تلك المقابر الجماعية ,التي كانت خفية ردحا من الزمن, وغرف
الإعدام الكئيبة القاسية, فإن المحققين المتطوعين يشيرون إلى أنه يتوقع وجود عدد
كبير من النساء بين الأموات لدرجة لا يمكن تصورها.
ومن هنا يوضح ستار جبار ,مدير
معلومات لجنة السجناء الأحرار, إلى وجود أكثر من خمسة ملايين ملف عليهم دراستها,
وعليه فإنه يصعب التحديد بدقة عدد النساء
المقتولات. ويذكر أن اللجنة التي يرأسها كانت تعمل على نشر الأسماء الموجودة في
الوثائق الرسمية, في جميع أنحاء العاصمة
العراقية بغداد, مشيراً إلى أنه لا يزال أمامهم الكثير. وتنطلق أعمال اللجنة من
منزل قديم لشخص كان يعمل حارساً شخصياً لصدام حسين ,ويعد من أكثر المواقع حزناً
وبؤساً في المدينة ككل. ولمدة إسبوعين كان المتطوعون يقومون بإلصاق الأسماء التي
تم العثور عليها على جميع حوائط المنزل وحتى السور. والناس تتوافد على المكان
لعلهم يجدون أفراد أسرهم الذين لم يروهم
منذ سنوات لا بل عقود مضت. ومن بين هذه الجموع كان السيد محمد موجود يبحث في كل
قصاصة ورق معلقة هنا وهناك, على أمل العثور على اسم والدته وشقيقتيه. وكان قد أبلغ
عن إختطافهن الذي مرت عليه عشرات السنين جماعات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو
الدولية ومراقبة حقوق الإنسان. وتأتي أحد الأسباب في إلقاء القبض على النساء هو أن
عناصر من النظام يعجزون في العديد من
الحالات عن تحديد أماكن الرجال المطلوبين لأي أسباب كانت, وبدلاً من ذلك يقومون
بإلقاء القبض على نساء أسرهم. وطبقاً لما
ذكرته الجماعات الإنسانيه, ومنهن من يتم تعذيبهن بأبشع الوسائل ثم يطلق سراحهن
ومنهن لم يسمع عنهن شيئاً آخر منذ آخر يوم تم إلقاء القبض عليهن وإلقاء القبض على
نساء أسرة محمد يعود إلى بحث رجال الأمن عن إبن عمه, بتهمة أنه عضو في حزب الدعوة المحظور, وأثناء بحثهم
عنه وعدم قدرتهم على إلقاء القبض عليه حيث هرب إلى سوريا, وكبديل له ألقت الشرطة
القبض على والدة محمد وشقيقته, ويقول محمد عن ذلك: لقد كانت أختي طالبة في
المدرسة, كيف لهم أن يلقوا القبض على طالبة ويودعونها السجن?
كان محمد أثناءها جاهلاً عن
مكان والدته وشقيقته, واستمر الحال كذلك
ستة أشهر, ولم يدع خلالها مخفراً ولا سجناً في العراق إلا بحث عنه كما كان يدفع
الرشاوي لحراس السجون على أمل إيجادهن, وقد كان له ذلك عندما وجدهن أخيراً في
بغداد بمنطقة الزعفرانية. علّق على الحدث: لقد كنا سعيدين جداً ,مازلن على قيد
الحياة ,وكثيراً ما كنا نتساءل هل صدام سيبقي أما وبناتها في السجن? وإلى متى?.
والجواب الذي وجُد هو أن السلطات العراقية تقوم فعلا بإلقاء القبض على النساء,
وزجهن في السجون, وكم من إمرأة هناك في
السجون العراقية, بل وفي بعض الحالات يتم إعدامهن. والمؤسف أنه عندما عاد محمد بعد إسبوع إلى
السجن وجد أن والدته وأخته قد رحلتا إلى جهة لا يعلمها. ومنذ ذلك الحين إلى نهاية
عام 1982 كانت لا تزال العائلة تبحث, إلى أن منح صدام عام 1995 عفواً عاماً لعدد
من السجناء فدب الأمل مرة أخرى في نفوس العائلة.
عندها ستكون الأم قد بلغت 53
عاماً. وجنان التي كانت في ذلك الوقت تبلغ 13 عاماً ستكون 26 عاماً والطفلة علياء
13 عاماً .واستمر الإنتظار نحو إسبوعين لم يصل خلالها خبر يحمل كلمة واحدة عنهن
,فاتجهت العائلة لرفع تقرير إلى الحكومة. وبعد شهرين من وقتها وصل رجل شرطة من تلك
الأجهزة السرية التي كان يجندها صدام, حاملاً شهادة بجميع أسماء المتوفين. وقال
لهم بلهجة حازمة: لا تحاولوا أن تجدوا قبورهن, ولا تتكلموا عنهن وطبقاً لما رآه
محمد في الوثيقة فإن الأم قد نفذ فيها حكم
الإعدام, في حين أن الفتاتين قد توفيتا.
إلا أن الأمل في العثور عليهن أحياء لا يزال قائماً , خاصة أن محمد ذكر بأن الشرطة
كثيراً ما تلجأ إلى إخبار أسر المفقودين بأنهم في عداد الموتى بهدف قطع الأمل
وتحطيم الأسرة.
جريدة المؤتمر-لندن 23
مايو/آيار2003
ويبحث عن زوجة طيبة
جواد عاد إلى العالم بعد 21
عاما من الإختفاء تحت منزله
- بغداد- » المؤتمر«: رأى رجل
عراقي نور الشمس, وتنفس الهواء النقي للمرة الأولى منذ عام 1981 ,حين غادر بعد
سقوط صدام زنزانته التي حفرها تحت منزله
هرباً من الاعدام.
وقالت كيت كونللي مراسلة صحفية
» الديلي تلغراف« اللندنية التي زارت جواد عامرسعيد في منزله الواقع في إحدى ضواحي
بغداد, أنه كان مختبئاً عن العالم والناس طوال 21 عاماً في غرفة ضيقة لا يزيد
عرضها عن 90 سنتمتراً وارتفاعها عن متر ونصف, حفرها تحت أرضية مطبخ المنزل, بعد أن
صدر الحكم عليه بالاعدام في عهد الطاغية صدام حسين. وقال جواد الذي خرج قبل خمسة
أسابيع من » زنزانته« التي حفرها بيديه »
لم تتحمل عيناي رؤية نور الشمس الساطع, ولكنني أشعر أنني نفس ذلك الشاب القوي الذي
قرر الاختباء في الثاني من كانون الأول عام 1981,رغم الهزال الذي أصابني خلالها,
وسأتذوق في كل لحظة طعم ثمار الحرية«.
وقالت والدته(74 عاماً) أنها
فقدت أحد أبنائها إبان الحرب العراقية الإيرانية, وحينها قررت أنها لن تقبل بفقدان
الآخر, وعبرت عن فرحتها بسلامة جواد قائلة» عندما عاد جواد إلى العالم من جديد,
أحسست بفرح كبير وكأنه يخرج من رحمي ثانية, وأشعر الآن أن مهمتي قد إنتهت, وأستطيع
الموت باطمئنان«.
وجواد, خريج العلوم الاقتصادية,
كان جندياً مكلفاً خلال الحرب الطاحنة بين العراق وإيران, وقد هرب من الجيش, مما
جعله مطلوباً للجهات الأمنية بتهمة التخلف عن الخدمة العسكرية أولاً, والانتماء
لحركة دينية معارضة, وهما تهمتان كافيتان للحكم عليه بالموت. كانت الأجهزة الأمنية
قد أمرت عملاءها من النساء والرجال بمراقبة منزل جواد, والطرق المؤدية إلى الحي
الذي يسكنه, وجمع المعلومات عن تحرك أفراد عائلته في محاولة لإلقاء القبض عليه,
وهذا ما جعله يفكر بحفر مخبأ له في المنزل, إضافة إلى إعدام ابن عمه الذي كان
مقرراً أن يصاحبه في هروبه من العراق, وكانت أمه » عزيزة دهش«, توفر له الطعام
والماء من فتحة صغيرة, ولم تطلع أحداً على سره.ودخل جواد زنزانته المنزلية
الثلاثاء, ليسترجع تلك الأيام التي حبس فيها نفسه لأكثر من عقدين, حيث مدد جسده
الهزيل على الأرض وأدخل ساقيه أولاً وانزلق من خلال فتحة صغيرة عبر نفق ضيق إلى »
عرينه« الذي يوجد في جهته اليمنى حفرة لا تتجاوز حجم كتاب كان يستخدمها كمرحاض.
وأوضح جواد » لدي كل ما أحتاج
إليه«, مشيراً إلى عدد من الحاجات المعلقة بترتيب على جدران الزنزانة مثل مروحة
يدوية مصنوعة من القش ومرآة وغلاية ماء وطباخ من صنع منزلي وساعة وفرشاة أسنان
ومنجل صغير. وقال أنه لم يكن يرى نور الشمس إلا من ثقب صغير في الزاوية اليمنى من السقف,
وأنه كان يتابع أخبار العالم من جهاز راديو ما يزال مثبتاً على محطة ال¯» بي بي
سي« العربية, بحيث أنه كان على إطلاع بأحداث غزو الكويت وحرب الخليج, وهزيمة
مارغريت تاتشر في الانتخابات, والحرب اليوغسلافية, ومصرع الأميرة دايانا, وحتى
إتفاق الجمعة العظيمة للسلام في ايرلندا. وخلال وجوده في مخبئه, كان جواد يقول
لأمه أن أيام صدام حسين معدودة, وتأكد له منذ أحداث 11 أيلول ,حين توعد الرئيس بوش في خطاب بملاحقة
الإرهابيين والإقتصاص منهم. وفي التاسع من نيسان الماضي, وبعد ثلاثة أسابيع من بدء
الحملة العسكرية على العراق, أُعلن عن سقوط صدام, فانتظر جواد حتى سمع أن القوات
الأمريكية حطمت تمثال الديكتاتور في بغداد, فقرر الخروج من ظلمة الزنزانة.
ويصف جواد أكثر اللحظات حزناً
له بأنها تلك التي سمع فيها بمقتل شقيقه كاظم في الحرب العراقية - الإيرانية عام
1986, ووفاة شقيقته » كاظمية« بمرض الإلتهاب الرئوي قبل ثلاث سنوات. وعن أكثر
اللحظات خوفاً يقول جواد أنها كانت حين تزوج شقيقي أحمد وحضر وعدد كبير من
المهنئين إلى منزله, وخشي أن يكتشف أحدهم سره. وتبحث عائلة جواد عن زوجة طيبة له,
ويوضح شقيقه أحمد (33عاماً ) قائلاً بنبرة حزينة :» إن الكثير من متع الحياة قد
فاتته, ونريد أن نوفر له الراحة لما تبقى من حياته«.
واليوم يفضل جواد المكوث في
المنزل, ولا يغامر بالإبتعاد كثيراً عن الكرادة وأهلها الذين وزعوا الحلويات حين
علموا بوجوده حياً بعد أن كانوا يظنون أنه قتل في الحرب أو أسره الإيرانيون خلالها.
ويؤكد جواد أنه سيبدأ البحث عن
وظيفة في قطاع الإقتصاد والإدارة ويقول » أريد أن أساهم في بناء بلدي وألتقي
بالناس من حولي«. ويضيف » وسأبقي هذه
الزنزانة على حالها لتذكر الآخرين بمعاناة الشعب تحت حكم النظام البائد«.
لقد أبقى جواد كل شيء في مكانه في تلك الزنزانة, التي غادرها الشهر الماضي عدا
علبة كبريت فارغة ,يحتفظ بداخلها بأسنانه التي تساقطت خلال سنوات نتيجة نقص
الكالسيوم في جسمه, وكيساً من البلاستيك
يحتوي على بقايا شعر رأسه ولحيته التي كان يحلقها بين الحين والآخر, وقال بنبرة
ألم » سأحتفظ بها للذكرى!«.
جريدة(المؤتمر) - لندن, 23 مايو
/آيار2003
منظمات حقوق الانسان تؤكد فقدان
300 ألف عراقي
علي ما زال يبحث منذ 21 عاماً
عن أمه وشقيقتيه جنان... وعلياء التي ولدت في المعتقل
يفتقد علي حسين شقيقته التي لم
يرها طوال حياته. كما يفتقد شقيقته الأخرى التي عاش معها أجمل أيام الطفولة,
ووالدته الحنون التي أخذتها عناصر أمن النظام الساقط في ليلة مظلمة منذ 21 عاماً.
يشير علي إلى الشوق الذي يعتريه لرؤية شقيقته الصغرى قائلاً: إنني أتوق لأن أحمل
شقيقتي الصغرى بين ذراعي وأخبرها بأنها هي الآن مع شقيقها الذي طالما رغب برؤيتها,
وأعلمها بأننا كنا نعاني مثلما هي كذلك.
وتعود تفاصيل القصة المؤلمة,
عندما داهمت عناصر الأمن منزلهم في منطقة ديالى, وألقوا القبض على والدته هادية
سعيد التي كانت حينها تبلغ من العمر أربعين عاماً, وعلى شقيقته جنان ذات الثلاثة
عشر ربيعاً, بجانب أخته التي لم يرها حيث كانت أمها حامل بها ووضعتها في السجن
وأسمتها علياء. وطبقاً لما جاء في الملفات العراقية فإن الأم قد نُفِذ فيها حكم
الإعدام , في حين أن الفتاتين توفيتا طبيعياً, ولكن البحث الذي تم عليهن لم يمكنهم
من العثور على جثثهن, وهذا يجعل الأمل باقياً في قلب علي وأسرته بالعثور عليهن
أحياء. وبطريقة ما فإن فقدان العائلة للأفراد الإناث فيها يعد جزءاً من القصص
العراقية المأساوية فهناك عشرات الألوف من العراقيين الذين لا يزالون يبحثون عن
أشقائهم وأبنائهم وآبائهم الذين اختفوا على أيدي مخابرات صدام حسين خلال زمن القمع
والاضطهاد الذي عانى منه الجميع, وما جدد الاهتمام بهذه المسألة هي تلك المقابر
الجماعية التي تم إكتشافها بالإضافة إلي معرفة الكثير من العراقيين عن الأعمال
الوحشية التي كان يمارسها صدام حسين والتي لم تفرق بين الجنسين, ويبحثون عن
أخواتهم وبناتهم وأمهاتهم.
والجماعات الوطنية التي إستعادت
ملفات الحكومة العراقية والتي توثق قضايا
إعدام مئات الآلآف من العراقيين, لا تزال تعمل على قدم وساق في تفحص ملايين
الوثائق ,والتي تحاول من خلالها تزويد العائلات العراقية بإجابات وافية حول عمليات
البحث عن أحبائهم الذين فقدوهم منذ زمن. وقد أشارت جماعات حقوق الإنسان إلى فقدان
أكثر من 300 ألف عراقي خلال السنوات الثلاث والعشرين الماضية, والغالبية العظمى
منهم ضمن فئات الرجال والأولاد المراهقين, وفي ظل الاكتشاف الحالي الذي يظهر مدى
الوحشية ,التي كان يمارسها النظام العراقي أثناء
حكم صدام في ظل تلك المقابر الجماعية ,التي كانت خفية ردحا من الزمن, وغرف
الإعدام الكئيبة القاسية, فإن المحققين المتطوعين يشيرون إلى أنه يتوقع وجود عدد
كبير من النساء بين الأموات لدرجة لا يمكن تصورها.
ومن هنا يوضح ستار جبار ,مدير
معلومات لجنة السجناء الأحرار, إلى وجود أكثر من خمسة ملايين ملف عليهم دراستها,
وعليه فإنه يصعب التحديد بدقة عدد النساء
المقتولات. ويذكر أن اللجنة التي يرأسها كانت تعمل على نشر الأسماء الموجودة في
الوثائق الرسمية, في جميع أنحاء العاصمة
العراقية بغداد, مشيراً إلى أنه لا يزال أمامهم الكثير. وتنطلق أعمال اللجنة من
منزل قديم لشخص كان يعمل حارساً شخصياً لصدام حسين ,ويعد من أكثر المواقع حزناً
وبؤساً في المدينة ككل. ولمدة إسبوعين كان المتطوعون يقومون بإلصاق الأسماء التي
تم العثور عليها على جميع حوائط المنزل وحتى السور. والناس تتوافد على المكان
لعلهم يجدون أفراد أسرهم الذين لم يروهم
منذ سنوات لا بل عقود مضت. ومن بين هذه الجموع كان السيد محمد موجود يبحث في كل
قصاصة ورق معلقة هنا وهناك, على أمل العثور على اسم والدته وشقيقتيه. وكان قد أبلغ
عن إختطافهن الذي مرت عليه عشرات السنين جماعات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو
الدولية ومراقبة حقوق الإنسان. وتأتي أحد الأسباب في إلقاء القبض على النساء هو أن
عناصر من النظام يعجزون في العديد من
الحالات عن تحديد أماكن الرجال المطلوبين لأي أسباب كانت, وبدلاً من ذلك يقومون
بإلقاء القبض على نساء أسرهم. وطبقاً لما
ذكرته الجماعات الإنسانيه, ومنهن من يتم تعذيبهن بأبشع الوسائل ثم يطلق سراحهن
ومنهن لم يسمع عنهن شيئاً آخر منذ آخر يوم تم إلقاء القبض عليهن وإلقاء القبض على
نساء أسرة محمد يعود إلى بحث رجال الأمن عن إبن عمه, بتهمة أنه عضو في حزب الدعوة المحظور, وأثناء بحثهم
عنه وعدم قدرتهم على إلقاء القبض عليه حيث هرب إلى سوريا, وكبديل له ألقت الشرطة
القبض على والدة محمد وشقيقته, ويقول محمد عن ذلك: لقد كانت أختي طالبة في
المدرسة, كيف لهم أن يلقوا القبض على طالبة ويودعونها السجن?
كان محمد أثناءها جاهلاً عن
مكان والدته وشقيقته, واستمر الحال كذلك
ستة أشهر, ولم يدع خلالها مخفراً ولا سجناً في العراق إلا بحث عنه كما كان يدفع
الرشاوي لحراس السجون على أمل إيجادهن, وقد كان له ذلك عندما وجدهن أخيراً في
بغداد بمنطقة الزعفرانية. علّق على الحدث: لقد كنا سعيدين جداً ,مازلن على قيد
الحياة ,وكثيراً ما كنا نتساءل هل صدام سيبقي أما وبناتها في السجن? وإلى متى?.
والجواب الذي وجُد هو أن السلطات العراقية تقوم فعلا بإلقاء القبض على النساء,
وزجهن في السجون, وكم من إمرأة هناك في
السجون العراقية, بل وفي بعض الحالات يتم إعدامهن. والمؤسف أنه عندما عاد محمد بعد إسبوع إلى
السجن وجد أن والدته وأخته قد رحلتا إلى جهة لا يعلمها. ومنذ ذلك الحين إلى نهاية
عام 1982 كانت لا تزال العائلة تبحث, إلى أن منح صدام عام 1995 عفواً عاماً لعدد
من السجناء فدب الأمل مرة أخرى في نفوس العائلة.
عندها ستكون الأم قد بلغت 53
عاماً. وجنان التي كانت في ذلك الوقت تبلغ 13 عاماً ستكون 26 عاماً والطفلة علياء
13 عاماً .واستمر الإنتظار نحو إسبوعين لم يصل خلالها خبر يحمل كلمة واحدة عنهن
,فاتجهت العائلة لرفع تقرير إلى الحكومة. وبعد شهرين من وقتها وصل رجل شرطة من تلك
الأجهزة السرية التي كان يجندها صدام, حاملاً شهادة بجميع أسماء المتوفين. وقال
لهم بلهجة حازمة: لا تحاولوا أن تجدوا قبورهن, ولا تتكلموا عنهن وطبقاً لما رآه
محمد في الوثيقة فإن الأم قد نفذ فيها حكم
الإعدام, في حين أن الفتاتين قد توفيتا.
إلا أن الأمل في العثور عليهن أحياء لا يزال قائماً , خاصة أن محمد ذكر بأن الشرطة
كثيراً ما تلجأ إلى إخبار أسر المفقودين بأنهم في عداد الموتى بهدف قطع الأمل
وتحطيم الأسرة.
جريدة المؤتمر-لندن 23
مايو/آيار2003
Admin- Admin
- عدد الرسائل : 102
العمر : 48
الموقع : الـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍهُـٍـٍِـٍمَ صَـٍـٍِـٍلْ عَـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍىَ مُـٍـٍِـٍحَـٍـٍِـٍمَـٍـٍِـٍدٍ وََأَلِ م
العمل/الترفيه : الـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍهُـٍـٍِـٍمَ صَـٍـٍِـٍلْ عَـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍىَ مُـٍـٍِـٍحَـٍـٍِـٍمَـٍـٍِـٍدٍ وََأَلِ م
المزاج : الـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍهُـٍـٍِـٍمَ صَـٍـٍِـٍلْ عَـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍىَ مُـٍـٍِـٍحَـٍـٍِـٍمَـٍـٍِـٍدٍ وََأَلِ م
تاريخ التسجيل : 01/04/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى