بقلم د.أحمد أبو مطر_صورٌ من ثقافة الجهل والطغيان
صفحة 1 من اصل 1
بقلم د.أحمد أبو مطر_صورٌ من ثقافة الجهل والطغيان
قُُتل صدام كامل فتداول
العراقيون همساً: »خِلصنا من الأيام الطويلة«
عبد الرضا علي
بعد نجاح البعثيين في إنقلابهم
سنة ,1968 وتحديداً بعد سيطرتهم كلياً على مقادير البلاد بعد 30 تموز ,1968 أدركوا
أهمية الاعلام, ودوره الخطير في تثبيت منهجهم الشمولي وتكريسه لإقامة نظام الحزب
الواحد القائم على تصفية قوى الشعب الوطنية أحزاباً, ومؤسسات نقابية, ونخباً,
ومناضلين, ولم يستثنوا أحداً, وإن تركوا المستقلين في ذيل قائمتهم التصفوية, وكانت
أولى خطواتهم البوليسية جعل الإذاعة والتلفزيون ترتبط بالقصر, وقادة النظام
مباشرة, فشكلوا لجاناً عديدة لكتابة التعليقات السياسية والمراقبة والتحكم
بالأخبار, وفحص النصوص الفنية والعلمية والأفلام والأغاني, وما كان في تلك
الدائرة.
أما وكالة الانباء العراقية
التي يُفترض فيها إيصال الأخبار الإعلامية الى الشعب, وجعله عارفاً بما يجري في
العالم, فقد أضحت بوقاً لإيصال أصواتهم النكرة إلى العالم, وجهازاً للإشادة
بإنجازاتهم السياسية, ودورهم المهم في القضايا القومية المصيرية, ومهاجمة من لا
يرتضي توجههم التصفوي.
وقد لعبت وزارة الإعلام ووزارة
الثقافة, سواء أكان ذلك في عهد إندماج الوزارتين, أم عهد إنفكاكهما, أخطر الأدوار
وأعتاها في الترويج لسياسة القمع, ومحاربة القوى الوطنية والقومية والدينية,
والتحريض على إجتثاث ما يمتُ بأدنى صلة إلى الأفكار المناهضة لتوجههم التصفوي
المخيف, وفرض ثقافة الطغيان والقمع, وتكريس الديكتاتورية بتقديمها على طبق من ذهب.
لقد حاولت ثقافة الطغيان تعطيل
العقل العراقي بإلهابها للوجدان, وإثارة عواطف الناس بالشعارات البراقة, والكلام
المعسول وصولاً لتحقيق أهداف طاغية مهووس بالنرجسية والتعالي والغطرسة وكره
الاخرين, فأندفع أزلام النظام ومثقفوه من أمثال: شفيق الكمالي, وطارق عزيز, وحميد
سعيد, وسامي مهدي, وعبد الجبار محسن,
وغيرهم, إلى ترويج تلك الثقافة وإشاعتها إعلامياً, عن طريق ما تمتلكه
الدولة من صحف ودوريات ومؤسسات ثقافية أخرى, لا سيما دور النشًر منها.
غير ان نرجسية الطاغية صدام ظلت
عطشى إلى لون آخر من ثقافة الطغيان; يروّي الغريزة, ويضخّم الذات, ويبيّض تاريخها
الأسود الحافل بالإجرام.ولتحقيق رغبته تلك, وجعلها مشروعة عمل علي إستغفال البكر,
وطه ياسين رمضان وأقنعهما بضرورة قيام القصاصين بكتابة السير النضالية لقادة
إنقلاب سنة 1968 من البعثيين حصراً, فبلعا الطُعم, واستمرأوا الغفلة فرحاً
بإقتراحه. فاستدعى صدام بضعة من الروائيين العراقيين, ووزّع العمل على ثلاثة منهم
كمرحلة أولى, فتم تخصيص ساعات معينة إسبوعياً يلتقي فيها القاص بالشخصية المعينة
ليسجل سيرتها الذاتية, ودورها النضالي ومن ثم يقوم بإعادة صياغتها فنياً, ودفعها
إلى دور النشر. وتفعيلاً لإقتراحه بدأ العمل, فعقد البكر عدة لقاءات مع القاص الذي
كُلف بكتابة سيرته, ومثله فعل طه ياسين رمضان.
أما صدام فقد خصّ الشاعر عبد
الامير معلّة بهذا الشرف, لكنه طلب منه التركيز فقط على دوره في عملية إغتيال
الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم , وجعل هذا الجزء من السيرة صالحاً ليكون (بعدئذٍ)
فيلماً من الأفلام البوليسية. فكان من نتيجة تلك اللقاءات صدور رواية معلّة
»الأيام الطويلة« بأجزائها الثلاثة, وتحويلها إلى فيلم سينمائي ظهر فيه البطل
مجرماً ملاحقاً من الشرطة ليس غير.
كان صدام يقرأ فصول الرواية
فصلاً فصلاً, ويسجل ملاحظاته عليها وفق ما يريده صدام, وحين تمّ طبعها, ورصدت آلاف
الدولارات لتحويلها إلى فيلم سينمائي, تدخّل صدام في إختيار الممثلين الذين سيؤدون
دوره, ودور ساجدة زوجته, وأخواله الطلافحة, وأشترط ألا تؤدي دور زوجته ساجدة أية
ممثلة معروفة, كما قدّم قريبه وأحد حماته, وزوج إبنته ليؤدي دوره في الفيلم, لإنه
يشبهه شكلاً. فكان صدام كامل المجيد في الفيلم أقرب إلى الأُميّ الساذج منه إلى
السياسي المغامر, وظلّ هذا الفيلم يعرض على مشاهدي تلفزيون بغداد في كل مناسبة, وغير
مناسبة, وحين قُتل صدام كامل تم منع عرض (الأيام الطويلة) ورُفع من التداول,
وتداول العراقيون همساً: »خِلصنا من الأيام الطويلة«.أما سيرة صدام الذاتيّة
وتاريخه الأسود, فقد عهد بها الى الكاتب العربي المعروف فؤاد مطر أولاً لتبيييضها,
ولغيره ثانياً لتجميلها. ويبدو أن البكر, أدرك الغفلة بعد ظهور( الأيام الطويلة
)فطوى صفحة السيرة, ورغب عنها. ولم يجد
كاتب سيرة رمضان ما يغريه فيها على كتابة
عمل درامي, لانها تدور على إجتماعات رمضان, ونقله للرفاق إلى المركز من بقية
المحافظات ليس غير.
حين كان نائباً للرئيس, قرّب صدام
إليه بعضاً من الكتاب, والفنانين, والشعراء, ولم يكن فعله ذاك ناتجاً عن محبة أو
إحترام لدور الإبداع في المجتمع, ولا إلى اهّمية الفن في حياة الشعب, إنما كان
لأمر آخر علمته إياه سيرة الطغاة, لا سيما سيرتا ستالين وهتلر. فقد أدرك وهو يقرأ
تلك السير أن شهرته لن تكون إلا على أيدي الشعراء والكتّاب والفنانين الذين سيحيط
نفسه بهم, أما تاريخه الأسود وصورته المملوءة بالحقد على كل ما هو خير, فان هؤلاء
سيتكفلون بها.أغدق صدام على بعض منهم لمجرد أنهم كتبوا مقالات عادية, فأدرك
الآخرون تلك الإشارة, وتعرفوا طريق المنجم, وكانوا يتحينون الفرص, فما إن أعلن
صدام عدوانه على الجارة إيران حتى تدافع الشعراء المرتبطون به, أنصاف المثقفين من
كتّاب النظام إلى تصوير الحرب بالحرب القومية. وأن الوجود العربي بالعراق مهدّد
وأن صدام حسين هو البطل القومي الذي سيدافع عن وجود الأمة, ويلقن أعداءها درس
الهزيمة.
ولا غرو في ذلك, لأن وزير إعلام
النظام لطيف نصيف جاسم قد عمل ليل نهار لترويج تلك الافكار مستخدماً أخطر تهم
التهديد والوعيد, وأعني بها تهمة الخيانة
والتلويح باستخدامها, وإلصاقها بمن لا يستجيب من المبدعين لتلك الافكار.
وحين رأى بعض المترددين أن
قصائد الحرب وأدبه عموماً لا تكتب على
عجالة, وأن أهم الاعمال الإبداعية الانسانية التي عالجت موضوعة الحروب قد كُتبت
بعد لأي من الزمن ليس بالقصير, كان جواب المنظرين من البعثيين لتلك الثقافة:
»حسناً, لنؤجل مؤقتاً أدب الحرب, ولنبدأ بالأدب التعبويّ الذي يهيء الجبهة
الداخلية لكل الإحتمالات«, في حين أن الدعوة إلى الأدب التعبوي كانت في حقيقتها
دعوة إلى تبرير العدوان, والسيطرة النفسية على الجماهير, وإخضاعها لنوم مغناطيسي
مدروس, ومبرمج على نحو دقيق.فمثلاً حين دخل جيش صدام مديّنة »ديزفول« وأستباحها
على مرأى العالم ومسمعه, هبَّ شعراء السلطان لتسجيل الحدث تعبوياً, فكان أن نظم
شفيق الكمالي قصيدة »لاميّة« لإدخال »يزفول« فيها, وللاشادة بالطاغية صدام, لكنه
تعدّى في وصفه ذاك كل الحدود, فقد نزّه صداماً عن البشر, وجعله شبيهاً بالخالق
(استغفر الله) عظمةً ورفعةَ وجلالاً, دون حياء أو حساب للدين, أو الاخلاق أو
الشعور العام. وتباهى بأنه كتبها ساعة دخول جيش صدام »ديزفول«, وممّا بقي في ذهني
منها أسطر متفرقة تدلّ على بعض سوقية كلامه البذيء منها:
»عليهم قد دخلنا ديزفال هزمنا
الفرسَ ضرباً بالنعالِ«ثم ينتهي بوصف صدام قائلاً: »كوجهِ اللهِ يرفلُ
بالجلال«.غير أن صداماً كان يكره الشاعر, وإن جعله بمصاف الخالق, وقد بان ذلك
بوضوح بعد سنوات, فقد سجنه وعذّبه ثم دسَّ له ما عطّل له القلب والدماغ معاً, وكأن
الارادة الإلهية أرادت أن تذكر أمثاله أن الله تعالى يُمهل ولا يُهمل, وأن مرّ
العقابُ آجلاً.
لم يكن الكمالي وحده الذي إمتطى
الموجة, إنما كان معه جيش من الشعراء المنافقين الراكضين وراء عظام السلطان, حتى
إضحينا نتقيأ يومياً من كثرة ظهروهم على شاشة التلفزيون أمثال: كمال الحديثي,
ونعمان ماهر الكنعاني, ومحمد جميل شلش, وعلي الياسري, وعبد الامير معلة, وعبد
الرزاق عبد الواحد, وحميد سعيد, وسامي مهدي, ويوسف الصائغ, ومحفوظ داود سلمان,
ومعد الجبوري, وغيرهم ممن أضفى على نفسه لقباً
أو أكثر, مثل: شاعر القادسية, وشاعر أم المعارك, وشاعر ليلى البعثية, وشاعر
القوة الجوية, وشاعر الحرس الجمهوري, وشاعر الطليعة العربية. فضلاً عن شواعر ربطن
وجودهنّ بوجود النظام أمثال: ساجدة الموسويّ, وبشرى البستاني, وشاعرة صدام الشعبية
إقبال.
ومن طريف هذه الايام, وطرائف
الفضائيات ان يُدعى وكيل وزارة إعلام صدام الأسبق نوري المرسومي بوصفه مفكراً
وكاتباً, ليتحدث عن رؤيته للديمقراطية التي ينشد, والحرية التي يريد, والامان الذي
ينبغي أن يسود,متناسياً أنه أسهم في إسقاط الجنسية عن عبد الوهاب البياتي (كما
أخبرني بذلك المرحوم البياتي نفسه), لأنه لم ينضم الى جيش المدّاحين بتجميل صورة
الطاغية, إنما اسهم في كشف سوءاتها, وتعرية زيفها. ولعل ما جاء في قصيدة »التنيّن«
ما يشكل سبباً في ذلك, إذ قال:
العراقيون همساً: »خِلصنا من الأيام الطويلة«
عبد الرضا علي
بعد نجاح البعثيين في إنقلابهم
سنة ,1968 وتحديداً بعد سيطرتهم كلياً على مقادير البلاد بعد 30 تموز ,1968 أدركوا
أهمية الاعلام, ودوره الخطير في تثبيت منهجهم الشمولي وتكريسه لإقامة نظام الحزب
الواحد القائم على تصفية قوى الشعب الوطنية أحزاباً, ومؤسسات نقابية, ونخباً,
ومناضلين, ولم يستثنوا أحداً, وإن تركوا المستقلين في ذيل قائمتهم التصفوية, وكانت
أولى خطواتهم البوليسية جعل الإذاعة والتلفزيون ترتبط بالقصر, وقادة النظام
مباشرة, فشكلوا لجاناً عديدة لكتابة التعليقات السياسية والمراقبة والتحكم
بالأخبار, وفحص النصوص الفنية والعلمية والأفلام والأغاني, وما كان في تلك
الدائرة.
أما وكالة الانباء العراقية
التي يُفترض فيها إيصال الأخبار الإعلامية الى الشعب, وجعله عارفاً بما يجري في
العالم, فقد أضحت بوقاً لإيصال أصواتهم النكرة إلى العالم, وجهازاً للإشادة
بإنجازاتهم السياسية, ودورهم المهم في القضايا القومية المصيرية, ومهاجمة من لا
يرتضي توجههم التصفوي.
وقد لعبت وزارة الإعلام ووزارة
الثقافة, سواء أكان ذلك في عهد إندماج الوزارتين, أم عهد إنفكاكهما, أخطر الأدوار
وأعتاها في الترويج لسياسة القمع, ومحاربة القوى الوطنية والقومية والدينية,
والتحريض على إجتثاث ما يمتُ بأدنى صلة إلى الأفكار المناهضة لتوجههم التصفوي
المخيف, وفرض ثقافة الطغيان والقمع, وتكريس الديكتاتورية بتقديمها على طبق من ذهب.
لقد حاولت ثقافة الطغيان تعطيل
العقل العراقي بإلهابها للوجدان, وإثارة عواطف الناس بالشعارات البراقة, والكلام
المعسول وصولاً لتحقيق أهداف طاغية مهووس بالنرجسية والتعالي والغطرسة وكره
الاخرين, فأندفع أزلام النظام ومثقفوه من أمثال: شفيق الكمالي, وطارق عزيز, وحميد
سعيد, وسامي مهدي, وعبد الجبار محسن,
وغيرهم, إلى ترويج تلك الثقافة وإشاعتها إعلامياً, عن طريق ما تمتلكه
الدولة من صحف ودوريات ومؤسسات ثقافية أخرى, لا سيما دور النشًر منها.
غير ان نرجسية الطاغية صدام ظلت
عطشى إلى لون آخر من ثقافة الطغيان; يروّي الغريزة, ويضخّم الذات, ويبيّض تاريخها
الأسود الحافل بالإجرام.ولتحقيق رغبته تلك, وجعلها مشروعة عمل علي إستغفال البكر,
وطه ياسين رمضان وأقنعهما بضرورة قيام القصاصين بكتابة السير النضالية لقادة
إنقلاب سنة 1968 من البعثيين حصراً, فبلعا الطُعم, واستمرأوا الغفلة فرحاً
بإقتراحه. فاستدعى صدام بضعة من الروائيين العراقيين, ووزّع العمل على ثلاثة منهم
كمرحلة أولى, فتم تخصيص ساعات معينة إسبوعياً يلتقي فيها القاص بالشخصية المعينة
ليسجل سيرتها الذاتية, ودورها النضالي ومن ثم يقوم بإعادة صياغتها فنياً, ودفعها
إلى دور النشر. وتفعيلاً لإقتراحه بدأ العمل, فعقد البكر عدة لقاءات مع القاص الذي
كُلف بكتابة سيرته, ومثله فعل طه ياسين رمضان.
أما صدام فقد خصّ الشاعر عبد
الامير معلّة بهذا الشرف, لكنه طلب منه التركيز فقط على دوره في عملية إغتيال
الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم , وجعل هذا الجزء من السيرة صالحاً ليكون (بعدئذٍ)
فيلماً من الأفلام البوليسية. فكان من نتيجة تلك اللقاءات صدور رواية معلّة
»الأيام الطويلة« بأجزائها الثلاثة, وتحويلها إلى فيلم سينمائي ظهر فيه البطل
مجرماً ملاحقاً من الشرطة ليس غير.
كان صدام يقرأ فصول الرواية
فصلاً فصلاً, ويسجل ملاحظاته عليها وفق ما يريده صدام, وحين تمّ طبعها, ورصدت آلاف
الدولارات لتحويلها إلى فيلم سينمائي, تدخّل صدام في إختيار الممثلين الذين سيؤدون
دوره, ودور ساجدة زوجته, وأخواله الطلافحة, وأشترط ألا تؤدي دور زوجته ساجدة أية
ممثلة معروفة, كما قدّم قريبه وأحد حماته, وزوج إبنته ليؤدي دوره في الفيلم, لإنه
يشبهه شكلاً. فكان صدام كامل المجيد في الفيلم أقرب إلى الأُميّ الساذج منه إلى
السياسي المغامر, وظلّ هذا الفيلم يعرض على مشاهدي تلفزيون بغداد في كل مناسبة, وغير
مناسبة, وحين قُتل صدام كامل تم منع عرض (الأيام الطويلة) ورُفع من التداول,
وتداول العراقيون همساً: »خِلصنا من الأيام الطويلة«.أما سيرة صدام الذاتيّة
وتاريخه الأسود, فقد عهد بها الى الكاتب العربي المعروف فؤاد مطر أولاً لتبيييضها,
ولغيره ثانياً لتجميلها. ويبدو أن البكر, أدرك الغفلة بعد ظهور( الأيام الطويلة
)فطوى صفحة السيرة, ورغب عنها. ولم يجد
كاتب سيرة رمضان ما يغريه فيها على كتابة
عمل درامي, لانها تدور على إجتماعات رمضان, ونقله للرفاق إلى المركز من بقية
المحافظات ليس غير.
حين كان نائباً للرئيس, قرّب صدام
إليه بعضاً من الكتاب, والفنانين, والشعراء, ولم يكن فعله ذاك ناتجاً عن محبة أو
إحترام لدور الإبداع في المجتمع, ولا إلى اهّمية الفن في حياة الشعب, إنما كان
لأمر آخر علمته إياه سيرة الطغاة, لا سيما سيرتا ستالين وهتلر. فقد أدرك وهو يقرأ
تلك السير أن شهرته لن تكون إلا على أيدي الشعراء والكتّاب والفنانين الذين سيحيط
نفسه بهم, أما تاريخه الأسود وصورته المملوءة بالحقد على كل ما هو خير, فان هؤلاء
سيتكفلون بها.أغدق صدام على بعض منهم لمجرد أنهم كتبوا مقالات عادية, فأدرك
الآخرون تلك الإشارة, وتعرفوا طريق المنجم, وكانوا يتحينون الفرص, فما إن أعلن
صدام عدوانه على الجارة إيران حتى تدافع الشعراء المرتبطون به, أنصاف المثقفين من
كتّاب النظام إلى تصوير الحرب بالحرب القومية. وأن الوجود العربي بالعراق مهدّد
وأن صدام حسين هو البطل القومي الذي سيدافع عن وجود الأمة, ويلقن أعداءها درس
الهزيمة.
ولا غرو في ذلك, لأن وزير إعلام
النظام لطيف نصيف جاسم قد عمل ليل نهار لترويج تلك الافكار مستخدماً أخطر تهم
التهديد والوعيد, وأعني بها تهمة الخيانة
والتلويح باستخدامها, وإلصاقها بمن لا يستجيب من المبدعين لتلك الافكار.
وحين رأى بعض المترددين أن
قصائد الحرب وأدبه عموماً لا تكتب على
عجالة, وأن أهم الاعمال الإبداعية الانسانية التي عالجت موضوعة الحروب قد كُتبت
بعد لأي من الزمن ليس بالقصير, كان جواب المنظرين من البعثيين لتلك الثقافة:
»حسناً, لنؤجل مؤقتاً أدب الحرب, ولنبدأ بالأدب التعبويّ الذي يهيء الجبهة
الداخلية لكل الإحتمالات«, في حين أن الدعوة إلى الأدب التعبوي كانت في حقيقتها
دعوة إلى تبرير العدوان, والسيطرة النفسية على الجماهير, وإخضاعها لنوم مغناطيسي
مدروس, ومبرمج على نحو دقيق.فمثلاً حين دخل جيش صدام مديّنة »ديزفول« وأستباحها
على مرأى العالم ومسمعه, هبَّ شعراء السلطان لتسجيل الحدث تعبوياً, فكان أن نظم
شفيق الكمالي قصيدة »لاميّة« لإدخال »يزفول« فيها, وللاشادة بالطاغية صدام, لكنه
تعدّى في وصفه ذاك كل الحدود, فقد نزّه صداماً عن البشر, وجعله شبيهاً بالخالق
(استغفر الله) عظمةً ورفعةَ وجلالاً, دون حياء أو حساب للدين, أو الاخلاق أو
الشعور العام. وتباهى بأنه كتبها ساعة دخول جيش صدام »ديزفول«, وممّا بقي في ذهني
منها أسطر متفرقة تدلّ على بعض سوقية كلامه البذيء منها:
»عليهم قد دخلنا ديزفال هزمنا
الفرسَ ضرباً بالنعالِ«ثم ينتهي بوصف صدام قائلاً: »كوجهِ اللهِ يرفلُ
بالجلال«.غير أن صداماً كان يكره الشاعر, وإن جعله بمصاف الخالق, وقد بان ذلك
بوضوح بعد سنوات, فقد سجنه وعذّبه ثم دسَّ له ما عطّل له القلب والدماغ معاً, وكأن
الارادة الإلهية أرادت أن تذكر أمثاله أن الله تعالى يُمهل ولا يُهمل, وأن مرّ
العقابُ آجلاً.
لم يكن الكمالي وحده الذي إمتطى
الموجة, إنما كان معه جيش من الشعراء المنافقين الراكضين وراء عظام السلطان, حتى
إضحينا نتقيأ يومياً من كثرة ظهروهم على شاشة التلفزيون أمثال: كمال الحديثي,
ونعمان ماهر الكنعاني, ومحمد جميل شلش, وعلي الياسري, وعبد الامير معلة, وعبد
الرزاق عبد الواحد, وحميد سعيد, وسامي مهدي, ويوسف الصائغ, ومحفوظ داود سلمان,
ومعد الجبوري, وغيرهم ممن أضفى على نفسه لقباً
أو أكثر, مثل: شاعر القادسية, وشاعر أم المعارك, وشاعر ليلى البعثية, وشاعر
القوة الجوية, وشاعر الحرس الجمهوري, وشاعر الطليعة العربية. فضلاً عن شواعر ربطن
وجودهنّ بوجود النظام أمثال: ساجدة الموسويّ, وبشرى البستاني, وشاعرة صدام الشعبية
إقبال.
ومن طريف هذه الايام, وطرائف
الفضائيات ان يُدعى وكيل وزارة إعلام صدام الأسبق نوري المرسومي بوصفه مفكراً
وكاتباً, ليتحدث عن رؤيته للديمقراطية التي ينشد, والحرية التي يريد, والامان الذي
ينبغي أن يسود,متناسياً أنه أسهم في إسقاط الجنسية عن عبد الوهاب البياتي (كما
أخبرني بذلك المرحوم البياتي نفسه), لأنه لم ينضم الى جيش المدّاحين بتجميل صورة
الطاغية, إنما اسهم في كشف سوءاتها, وتعرية زيفها. ولعل ما جاء في قصيدة »التنيّن«
ما يشكل سبباً في ذلك, إذ قال:
Admin- Admin
- عدد الرسائل : 102
العمر : 48
الموقع : الـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍهُـٍـٍِـٍمَ صَـٍـٍِـٍلْ عَـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍىَ مُـٍـٍِـٍحَـٍـٍِـٍمَـٍـٍِـٍدٍ وََأَلِ م
العمل/الترفيه : الـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍهُـٍـٍِـٍمَ صَـٍـٍِـٍلْ عَـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍىَ مُـٍـٍِـٍحَـٍـٍِـٍمَـٍـٍِـٍدٍ وََأَلِ م
المزاج : الـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍهُـٍـٍِـٍمَ صَـٍـٍِـٍلْ عَـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍىَ مُـٍـٍِـٍحَـٍـٍِـٍمَـٍـٍِـٍدٍ وََأَلِ م
تاريخ التسجيل : 01/04/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى