بقلم الدكتور احمد مطران ::قادسية صدام... ذكرى طقوس الدم المسفوح هباءا؟
صفحة 1 من اصل 1
بقلم الدكتور احمد مطران ::قادسية صدام... ذكرى طقوس الدم المسفوح هباءا؟
داود البصري
ثلاثة وعشرون عاماً قد مضت على أوسع وأبشع مجزرة في التاريخ العراقي المعاصر قدر لها أن
تكون البداية الحقيقية لإنهيار العراق وتكسيح
العالم العربي وإخراج العرب من المعادلات السياسية في العالم المعاصر,(قادسية
صدام)وهو الإسم الكودي لحرب أرادوها مجرد نزهة عسكرية عابرة تيمنا ربما بحرب (الأيام
الستة) الشهيرة في الخامس من حزيران/يونيو1967 والتي أجهز الإسرائيليون خلالها
على أنظمة الراديو والصحف والقنابل
الصوتية العربية مؤسسين لمشروعهم السياسي والإقتصادي بينما لانزال وحتى اللحظة
نبحث عن كيفية إزالة آثار العدوان!!.
فأحداث ظهيرة ذلك الإثنين
البعيد المصادف لتاريخ1980/9/22 , لم تزل طرية وحية في ذاكرتي وذاكرة من بقي حيا
من أبناء جيلي من الذين أدوا خدمتهم العسكرية الإلزامية في ذلك الزمان?أحداث
درامية وتسارعات تتفوق حتى على أعقد وأدق الحبكات السينمائية ولأشد الأفلام هولا ورعبا
ودموية!, فوقتها ووسط مهرجانات صعود
الفاشية البعثية والأحاديث المتتالية منذ
أكثر من سنة من ذلك التاريخ عن الأخطار والتحديات القادمة من الشرق والتي لجأت
السلطة البعثية البائدة خلالها لسلسلة من إجراءات التطهير العرقية والتصفية
الجسدية لقطاع واسع من المجتمع العراقي
إعتبارا من ربيع عام1980 وحيث
قطعت السلطة خط اللاعودة في التعامل مع كل الفئات الرافضة للسياسات الجديدة للنظام
النازي البعثي بشكلة الصدامي عن طريق
إعدام وتصفية المرجع الإسلامي الكبير الراحل السيد محمد باقر الصدر في خطوة
تصعيدية خطيرة لم تجرؤ على إقترافها أي سلطة
عراقية سابقة مهما كانت درجة قمعها
وساديتها بات واضحا من أن
العراق مقبل على حمام دم كبير وواسع ورهيب ,لاحدود لآفاقه
ونهاياته! خصوصاً وأن ا لظروف
الإقليمية والدولية ,كانت تشكل مظلة وغطاء واسعاً وفضفاضاً لسياسات سلطة الموت
البعثية, وهي سياسات أقرت من قبل الدوائر ا لدولية المختصة بإنتاج وحماية وتسويق
ذلك النوع من الأنظمة السياسية في العالم
الثالث, والذي يعمل وفق مبدأ الخدمة والتخادم والعمل بالوكالة عن الآخرين
,وتحت صهيل شعارات ملتبسة ومخاتلة, يمكن إستثمارها لخلط الأوراق وتحقيق
الأهداف وهو بالضبط مافعلته السلطة
العراقية البائدة منذ صيف عام1979,وحيث حسم صراع الإجنحة البعثية بهيمنة التيار
الأشد فاشية, والقادم أصلا من قاع المجتمع
ومن وسط بيئة الشقاوات ورجال العصابات (الفتوات) والذين لعبوا للأسف
أدواراً مشهودة في تشكيل الصورة السياسية في العراق المعاصر منذ14 تموز 1958 وحتى
التاسع من نيسان 2003, ورغم أن حزب البعث
بمجمله هو حزب قمعي فاشي إنقلابي من بقايا وإفرازات مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية إلا أن هناك
قيادات قد حاولت أن تضبط وتيرة وإيقاعات القمع وفق ضوابط ومعايير يمكن التحكم بتياراتها! بل أنها
حاولت تغيير الصورة الإعلامية الخارجية المعروفة عن البعثيين عموماً, إلا أن محاولاتها باءت بالفشل بعد صعود صدام حسين وتياره الفاشي العشائري, والذي حظي
بمباركة مرجع البعث الاعلى (ميشل عفلق)
الذي لم يخجل من التصريح بأن صدام هو
(هدية العراق لحزب البعث,وهو ايضاً هدية
البعث للعرب)!!فما أروعها من هدية? وما
أبرعها من حكمة بعثية !!, وقد إبتدأ
النشاط الفاشي المتصاعد بتصفية العشرات من
البعثيين المشكوك بولائهم وإستعدادهم
لتنفيذ المهمام الجسام التي ستلقى
على عواتقهم داخليا وخارجيا?<فأبيدت
نصف القيادة القطرية وثلث القيادة
القومية, وبوشر بتلميع القائد
الفرد الإله الواحد الأحد ووفقا للنمط النازي المعروف: قائد واحد..لشعب واحد!! وبدأ بعسكرة
المجتمع وفرض الثقافة القومية العدوانية والمعادية للدين والقيم الروحية ,
كما بوشر
بالتصفيات الجسدية الفظيعة وبالأحكام القراقوشية التي تحاسب المرء على انتماءاته السياسية والفكرية بأثر رجعي!
كما بوشر بتنفيذ قانون قمعي غريب لم يعهده العالم من قبل وهو(عائلية العقوبة) ,بمعنى أن من يرتكب خطأ ضد
القيادة تتحمل عائلته أيضاً
تبعات ومسؤوليات ذلك الخطأ?ولا أدري أين الأصوات العربية التي تتباكى
اليوم على إندحار الفاشية البعثية ومواقفها من هكذا قوانين? ثم بدأت حملة
الإعدامات الكبرى لشباب الجامعات وفي توازي مدروس مع سياسة إنفتاح ودعاية قومية تضليلية توجت
بإعلان مايسمى ب¯(مثياق العمل القومي) في الثامن من شباط/فبراير1980, والذي ينص
على ضرورة أن يتكاتف العرب ضد أي خطر يهددهم وبأنه لايجوز أن يعتدي عربي على عربي مهما كانت الأسباب!! ولكن
الطريف والمأساوي هو أن النظام الصدامي هو الوحيد الذي إخترق ميثاقه القومي التدليسي عبر غزو وإستباحة دولة الكويت بذرائع ومسببات واهية وعقيمة!! وهو بذلك أول من
أثبت خواء كل الشعارات والأقاويل
البعثية!, على المستوى ا
لتعليمي والتربوي فقد شهدت الجامعات العراقية تركيزاً آيديولوجيا مكثفاً يتضمن الحط من قدر الثورة الإيرانية التي
إقتلعت عرش الطاووس الشاهنشاهي وأحدثت
زلزالا سياسيا ودينيا عميقا في المنطقة!, وأتذكر
أن أستاذنا في مادة تاريخ الخليج
العربي في جامعة البصرة وقتداك د.مصطفى عبدالقادر النجار الأمين العام الأسبق
لإتحاد المؤرخين العرب, وكان من المروجين العقائديين لسياسة السلطة البعثية, كان
يؤكد على أن من اهم أسباب الثورة الإيرانية هو تحالف قوى السوق(البازار)مع
المعارضة الشعبية وهو الأمر الذي لن يحدث
في العراق! وفعلا فقد بوشر إعتبارا من نيسان/إبريل1980 بحملة التهجير الشاملة
لمئات الآلاف من العراقيين ومن الموسرين وأصحاب المصانع ورجال الأعمال إلى إيران بذريعة أصولهم ا لإيرانية التي تعود لقرنين
من الزمان , وقبل تأسيس الدولة العراقية.
الحديثة!!وكان الأمر مهزلة تجاوزت حدود المأساة وفي ظل صمت دولي وعربي شامل وتام?
فلا خبر جاء ولاوحي نزل ولاشيء يهم عند العرب المشغولين اليوم بأحاديث الشرعية
وعدم الشرعية للوضع العراقي الحالي? المهم أن كل الغيوم كانت تتجمع في سماء المنطقة منذرة بقرب الإنفجار الكبير
والذي تدرج كما هي أساليب البعثيين المعروفة بحملات إعلامية شاملة ضد إيران
متصيدين أخطاء وتصريحات غير مسؤولة من مسؤولين إيرانيين عامدين إلى تضخيمها, وإبرازها على أن هنالك خطة إيرانية لإكتساح العراق وتحويله لمحمية
فارسية!! تسويقا ودعما للدعاية القومية
الفاشية,وكان تحرك ا لسلطة البعثية على مستويين داخلي في القمع والإرهاب الشديد وتجفيف المنابع وهو الملف ا
لذي مارسته بكل كفاءة الأجهزة الأمنية التي كانت تحت أمرة المجرم والأسير حاليا
برزان إبراهيم الحسن الكريتي مدير
المخابرات المرعب!وخارجي عبر سياسة الدبلوماسية و العصا والجزرة وسياسة
الرشوة القومية ا لتي طبقها المجرم المعتقل الآخر حاليا طارق عزيز يعاونه سعدون
حمادي ومحمد سعيد الصحاف وزمرة من الأزلام والعملاء العرب?لذلك لم نفاجأ حينما
إندلعت الحرب الشاملة ضد إيران حينما
سمعنا الشاعر الفلسطيني أديب ناصر وهو ينشد :
ياطفل زين القوس ...سلم على
القسطل وقل له عدنا..عدنا ولن نرحل?والشط في يافا..يبقى الهوى الأول?
أي أن بداية حملة الدجل وخلط
الأوراق قد إعتمدت على إستغلال القضية الفلسطينية مدعين أن تحرير (عربستان( هو
المقدمة لتحرير القدس?وكما تحول نفس
الخطاب البعثي الأعوج بعد إحتلال الكويت يقولإن طريق القدس تمر من الكويت)!!إنه
نموذج المزايدة والخداع البعثي الدائم?والذي كلف العراق والأمة العربية أثمانا
باهظة تدفعها الأجيال العراقية والعربية الناشئة اليوم, لقد إندلعت إذن نيران تلك
الحرب الضروس التي أراد النظام البائد إلباسها لباسا قوميا شاملا, وفي مؤامرة
واضحة هدفها تصفية القضية الفلسطينية
وخلق محاور صراع إقليمي جديد ووفق عناوين
وتبريرات تراوحت بين الحفاظ على الحكم الوطني البعثي من السقوط أمام الموجة
الفارسية!!لتصل إلى دعو ى الحفاظ على عروبة الخليج ,وإسترجاع الجزر الإماراتية
الثلاث في رأس الخليج العربي, والتي إستولى عليها شاه إيران السابق عام1971?وكذلك
دعوى (تحرير عربستان), من الإحتلال الإيراني,وهي كلها كما ترون أسباب إعتقدها النظام بأنها وجيهة وقوية في تغطية سياساته
العدوانية وأهدافها السرية التي توضحت بعد حين,وحينما طالت الحرب وإزداد سعيرها وتمدد المشروع الإسرائيلي في المنطقة, وتمت
تصفية الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان, وأجتيحت بيروت إسرائيليا بينما كان
العراقيون والإيرانيون في حالة أعنف إشتباك دموي في شرق البصرة في تموز /يوليو
1982,بعد إنكفاء وتراجع الجهد العسكري العراقي بعد هزيمة المحمرة في مايو/أيار
1982, وإنتقال العلميات العسكرية للعمق
العراقي, وحيث إشتعلت أشنع حرب إستنزاف في
تاريخ الشرق الأوسط كانت حصيلتها تدمير البنية الأساسية للجنوب العراقي المغضوب عليه,
وعسكرة المجتمع العراقي وعزله عن العالم ,وبداية رحلة الإنهيار العراقية الشاملة ,
حيث إستمرت الحرب لأكثر من ثمانية أعوام عجاف,حدثت خلالها فصول دموية مرعبة في
مأساويتها كمثل معارك الأهوار ومعارك الشمال ومعارك الجنوب وأبرزها معركة إحتلال
الفاو التي كلفت العراق أكثر من50 ألف
قتيل?ثم بعد أن تعبت جميع الأطراف تقرر
الإرادات الدولية فرض السلام
لتنتهي الحرب فجأة كما بدأت فجأة
وليعتبرها صدام أنها(كانت فتنة)!!ولكنه لم يقل لنا من دعا لتلك الفتنة وحارب في
سبيلها ? ومن ضيع العراقيين والعرب ,فبعد كل الخسائر في الأرواح والأرزاق يعود
الطرفان لتنفيذ إتفاق الجزائر
الحدودي المبرم عام1975 ?أي أن دماء
وأرواح الملايين الشباب قد ذهبت هدراً
وتلاشت هباءا في معركة عدمية أريد لها أن تحمل صفة وتسمية (القادسية) وهي
في حقيقتها مجرد عقد خدمة لنظام مخترق
وعميل لاينفذ إلا ماتمليه الإرادات الدولية? وبعد أقل من عامين على إنتهاء تلك
الحرب الكارثة تورط الشعب العراقي وزج في معركة بائسة وشنيعة مست كل جوانب الأصالة
الوطنية والقومية وهي عملية غزو وإجتياح الكويت ووفقا لسيناريوهات الخمسينيات
المضحكة حيث أن هنالك حركة شعبية إنقلابية طلبت العون من (الأشقاء في العراق)!!
وكانت نكتة مأساوية كبيرة ,كلفت العالم
العربي الكثير وأسست تأسيسا موضوعيا لحالة إنعدام الوزن العربي,فبعد خراب
الكويت وتدمير العراق وإنتفاض الشعب العراقي رفضا لمغامرات النظام العدوانية, عاد
النظام وتسلط ليمعن تمزيقا في العراق والأمة وليؤسس لمشروع الإنهيار الكبير في
(حواسمه) المخجلة التي تركت الشعب العراقي لمصيره?لقد كانت (قادسية صدام السوداء) نقطة البداية المركزية
لمشروع البعث الفاشي العدواني,
والذي تلاشى اليوم لتكون القادسية
والبعث وصدام مجرد ذكرى سوداء لأيام مؤلمة تحرص النخبة العراقية الحرة على الكفاح
من أجل أن لاتتكرر وأن لاينبثق مشروع فاشي جديد
من صفحة إيلاف (الانترنت)
21سبتمبر/أيلول2003
حزب البعث ...بداية
الوهم...ونهاية الأكاذيب..
داود البصري
السقوط والتراجع المدوي لحزب
البعث العربي الإشتراكي, لم يتأت فقط بسبب سقوط النظام البائد في العراق في التاسع
من نيسان الماضي ,والذي كان دون شك فتحا جليلاً, ونهاية حاسمة ومستحقة لحزب
ملأ الدنيا العربية, وشغل أبناء
العروبة ردحا طويلا من الزمن,وكان دون شك أحد أكبر معاول الهدم الحضاري لكل
عناصر ا لقوة في الحياة العربية سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا, لقد كان سقوط البعث
الحقيقي يسبق بكثير سقوطه ا لرسمي في ربيع بغداد ,وحيث تهاطلت ا لأحذية العراقية
لتصنع الخاتمة الجماهيرية
والحقيقية لذلك الحزب الفاشي الذي دمر كل شيء جميل في العراق والعالم
العربي أيضا,وتحول من كونه (إحياء مجيد لتراث الأمة العربية) كما يقول دستوره
التأسيسي إلى( طمس فريد لكل المعاني الإيجابية والحضارية في الحياة العربية)!,أقول
هذا الكلام بعد الدعايات المنتشرة من هذا المنبر أو ذاك حول إعادة البعثيين لتنظيم
صفوفهم وتهيؤهم للقيام بهجمة مضادة
يستردون بها مواقعهم المفقودة!! والأمر لايعدو تهويمات خيالية في عوالم الأحلام
الرومانسية!,فالبعث كفكرة وممارسة وإسم وعنوان, قد إنتهى وإلى الأبد من حياة
العراقيين, وكل من يزور العراق ويتحسس مشاعر الناس وآمالهم يعرف هذه الحقيقة
,ويعلم أن إسم البعث ككابوس إرهابي مرعب قد تلاشى وإلى الأبد
من حياة العراقيين وحتى من ذاكرتهم
الحية, وحيث يحاولون وبكل قواهم مسح ذكريات أيام
البعث الطويلة السوداء من ذاكرتهم الجمعية ليتمكنوا من الحياة
والإستمرار بعيدا عن الكوابيس المزعجة!, قد يختلف العراقيون حول كل شيء , حول
المستقبل والدستور وشكل الحكم وطبيعة البناء
الإقتصادي والتوجيه السياسي ولكنهم
متفقون على حقيقة واحدة موحدة تتمثل في
إنهاء أي ذكرى وإسم وعنوان للبعث وكل
مايمثله من مآسي وآلام في التاريخ العراقي الحديث.
فلقد قدر لهذا الحزب النافق,
وتحت ستار الحرب الباردة والتدخلات الدولية في إطار اللعبة الأممية, أن يستثمر
جيدا إتجاهات الرياح الدولية والإقليمية, وأن يستأثر بحصة الأسد في حكم العراق
طيلة الفترة التي أعقبت إنهيار النظام الملكي
الدستوري عام 1958 , وحيث قفز
الحزب للسلطة بطريقته الإنقلابية الدموية في الثامن من شباط/فبراير1963,منهيا حكم
الزعيم عبد الكريم قاسم بطريقة دموية بشعة, كانت الأساس المؤسس لفترة الإرهاب
البعثية الطويلة في التاريخ العراقي,فهم لم يجهزوا على قائد إنقلاب ا لرابع عشر من
تموز ورفاقه فقط بل أجهزوا على مجمل الحركة الوطنية العراقية, وبمباركة صريحة من
مركزهم القومي في الشام أيام ميشيل عفلق وقيادته القومية وباشروا بنشاط في إفتتاح
أعراس الدم العراقية والمقابر الجماعية, التي هي إمتياز مسجل
بإسمهم دون شريك وقتلوا من العراقيين الآلاف المؤلفة بذريعة شعوبية
الضحايا!وبهدف تحقيق الوحدة القومية العربية الشاملة, والتي لم يحققوها طيلة تا
ريخهم بل كانوا معولا من معاول هدمها وبطرق دموية ومؤمرات خسيسة لم تكن لتخطر على بال أخبث الشياطين!,وصلوا للسلطة
للمرة الأولى وحاولوا فرض منهجهم الفاشي, ولكنهم إصطدموا بصراعاتهم وإنشقاقاتهم
وإرتباطاتهم خلف الحدود, ليطردوا من السلطة بقوة الجيش العراقي, ولعنات الشعب الذي
فرضوا عليه آلتهم الإرهابية ا لرهيبة الأولى
المسماة(الحرس القومي),والتي دخلت تاريخ القمع العربي غير المدون بإعتبارها
من أولى المنظمات الفاشية العربية المتخصصة
في سحق البشر وإذلالهم, فكان البعثيون أمناءاً لفكرهم الفاشي ولقياداتهم المرتبطة
بالمخططات الدولية المشبوهة ,ولأسلوبهم الإرهابي في العمل التنظيمي السري المعتمد
على إستجلاب وتجنيد سقط متاع القوم من المجرمين والحثالات والساقطين إجتماعيا
,وإستثمارهم في مشاريع الوثوب على السلطة وفي التصدي المجرم للحركة الوطنية,
فإستمر حكمهم الأول لفترة تسعة شهور عجاف بلغت فيها معاناة العراقيين حدها الأقصى
,ليطرد البعثيون بعد ذلك, ولتستمر
المؤامرات الدولية التي توجت بالهزيمة
القومية الشاملة في الخامس من حزيران/يونيو1967 ,والتي هيأت المجال لمرحلة جديدة من الإنقلابات المشبوهة في العالم
العربي ,فجاء البعثيون في القطار الإميركي- الأنجليزي للمرة الثانية في السابع عشر من تموز /يوليو1968, في
إنقلاب القصر السهل بعد أن إستوت الطبخة
وفتحت أبواب القصر الجمهوري البغدادي على
مصراعيها, لثلة من الشقاة والمغامرين والقتلة والمجرمين ليسرقوا السلطة ويحيلوها
لوراثة عائلية عشائرية, مرت بأدوار فظيعة من التصفيات والتصفيات المضادة, إنتهت
بتدمير العراق على رؤوس ساكنية, والتسبب
في كوارث سياسية وعسكرية و إنسانية رهيبة في المنطقة العربية مازالت الأمة تعاني
منها حتى اليوم, وكان وثوبهم هذه المرة مبرمجا ومخططا بشكل جيد, روعي فيه الإتقان
والحرفنة وإنتحال الشعارات الثورية, والمباشرة الفعلية في إخلاء الساحة الداخلية
في العراق, من كل مايعكر المزاج البعثي الحاد!ثم المزايدة والمساومة في الساحة
القومية, وجعل العراق سا حة للتبشير بالفكر البعثي البائس المنطلق من إستثمار إمكانيات الدولة العراقية
المالية والسياسية في بناء المشروع البعثي
الكبير, ومع ذلك فقد فشل البعثيون فشلا ذريعا على المستوى القومي,وفشلوا في إستقطاب أي شعب عربي وفشلوا
في تكرار الحالة الإنقلابية, وكما هو الحال في القطرين المنكوبين العراق وسوريا
اللذين أُبتليا بهذا الحزب وبالسياسات الطائفية التي تسيره وبالعناصر المجرمة
المهمينة عليه? ولم يستطع البعثيون تكرار تجاربهم في أي قطر عربي آخر سوى عبر
التخريب وعمليات الإغتيال وشراء الذمم والأعمال السرية القذرة!وهو ماجعل من البعث
الحزب المنبوذ الأكبر في الحياة السياسة العربية.
وإذا كان ميشيل عفلق والبيطار
والحوراني وجلال السيد وغيرهم من قادة مرحلة التأسيس لذلك الحزب, قد حلموا
بمشروعهم القومي الشامل, إلا أن التاريخ سيظل يذكر لهم جنايتهم الكبرى على الإنسان
العربي وتآمرهم الشامل في سحقه وتدميره إذلا له, وحيث إنتهى البعث كفكرة ونظرية وممارسة
ووجود عقائد منذ منتصف الستينيات, ومنذ أن ودعه الشاعر الفلسطيني الراحل كمال ناصر
بقصيدته الشهيرة (لم يبق للبعث عندي ما
أغنيه ودعته وسأبقى العمر أبكيه!).
ولكن ماحصل فعلا أن ممارسات ذلك
الحزب الفاشي قد أبكت وأدمت عيون الملايين من أبناء الأمة الذين أبتلوا بحكمه الأسود.
لقد كانت بدايات البعث المشبوهة
نقطة البداية لهزيمة المشروع الحضاري العربي, كما كان سقوط البعث الحاسم تحت
ضربات(النعال) العراقي تتويجا تاريخيا لمسيرة, هي الأشد سوادا في ليل الهزائم
العربية الطويل.
فالبعث قد إنتهى وإلى الأبد ولا أعتقد أن هناك من يراهن اليوم على جثة البعث المتحللة!
من صحفة (إيلاف) ¯ الانترنت
ثلاثة وعشرون عاماً قد مضت على أوسع وأبشع مجزرة في التاريخ العراقي المعاصر قدر لها أن
تكون البداية الحقيقية لإنهيار العراق وتكسيح
العالم العربي وإخراج العرب من المعادلات السياسية في العالم المعاصر,(قادسية
صدام)وهو الإسم الكودي لحرب أرادوها مجرد نزهة عسكرية عابرة تيمنا ربما بحرب (الأيام
الستة) الشهيرة في الخامس من حزيران/يونيو1967 والتي أجهز الإسرائيليون خلالها
على أنظمة الراديو والصحف والقنابل
الصوتية العربية مؤسسين لمشروعهم السياسي والإقتصادي بينما لانزال وحتى اللحظة
نبحث عن كيفية إزالة آثار العدوان!!.
فأحداث ظهيرة ذلك الإثنين
البعيد المصادف لتاريخ1980/9/22 , لم تزل طرية وحية في ذاكرتي وذاكرة من بقي حيا
من أبناء جيلي من الذين أدوا خدمتهم العسكرية الإلزامية في ذلك الزمان?أحداث
درامية وتسارعات تتفوق حتى على أعقد وأدق الحبكات السينمائية ولأشد الأفلام هولا ورعبا
ودموية!, فوقتها ووسط مهرجانات صعود
الفاشية البعثية والأحاديث المتتالية منذ
أكثر من سنة من ذلك التاريخ عن الأخطار والتحديات القادمة من الشرق والتي لجأت
السلطة البعثية البائدة خلالها لسلسلة من إجراءات التطهير العرقية والتصفية
الجسدية لقطاع واسع من المجتمع العراقي
إعتبارا من ربيع عام1980 وحيث
قطعت السلطة خط اللاعودة في التعامل مع كل الفئات الرافضة للسياسات الجديدة للنظام
النازي البعثي بشكلة الصدامي عن طريق
إعدام وتصفية المرجع الإسلامي الكبير الراحل السيد محمد باقر الصدر في خطوة
تصعيدية خطيرة لم تجرؤ على إقترافها أي سلطة
عراقية سابقة مهما كانت درجة قمعها
وساديتها بات واضحا من أن
العراق مقبل على حمام دم كبير وواسع ورهيب ,لاحدود لآفاقه
ونهاياته! خصوصاً وأن ا لظروف
الإقليمية والدولية ,كانت تشكل مظلة وغطاء واسعاً وفضفاضاً لسياسات سلطة الموت
البعثية, وهي سياسات أقرت من قبل الدوائر ا لدولية المختصة بإنتاج وحماية وتسويق
ذلك النوع من الأنظمة السياسية في العالم
الثالث, والذي يعمل وفق مبدأ الخدمة والتخادم والعمل بالوكالة عن الآخرين
,وتحت صهيل شعارات ملتبسة ومخاتلة, يمكن إستثمارها لخلط الأوراق وتحقيق
الأهداف وهو بالضبط مافعلته السلطة
العراقية البائدة منذ صيف عام1979,وحيث حسم صراع الإجنحة البعثية بهيمنة التيار
الأشد فاشية, والقادم أصلا من قاع المجتمع
ومن وسط بيئة الشقاوات ورجال العصابات (الفتوات) والذين لعبوا للأسف
أدواراً مشهودة في تشكيل الصورة السياسية في العراق المعاصر منذ14 تموز 1958 وحتى
التاسع من نيسان 2003, ورغم أن حزب البعث
بمجمله هو حزب قمعي فاشي إنقلابي من بقايا وإفرازات مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية إلا أن هناك
قيادات قد حاولت أن تضبط وتيرة وإيقاعات القمع وفق ضوابط ومعايير يمكن التحكم بتياراتها! بل أنها
حاولت تغيير الصورة الإعلامية الخارجية المعروفة عن البعثيين عموماً, إلا أن محاولاتها باءت بالفشل بعد صعود صدام حسين وتياره الفاشي العشائري, والذي حظي
بمباركة مرجع البعث الاعلى (ميشل عفلق)
الذي لم يخجل من التصريح بأن صدام هو
(هدية العراق لحزب البعث,وهو ايضاً هدية
البعث للعرب)!!فما أروعها من هدية? وما
أبرعها من حكمة بعثية !!, وقد إبتدأ
النشاط الفاشي المتصاعد بتصفية العشرات من
البعثيين المشكوك بولائهم وإستعدادهم
لتنفيذ المهمام الجسام التي ستلقى
على عواتقهم داخليا وخارجيا?<فأبيدت
نصف القيادة القطرية وثلث القيادة
القومية, وبوشر بتلميع القائد
الفرد الإله الواحد الأحد ووفقا للنمط النازي المعروف: قائد واحد..لشعب واحد!! وبدأ بعسكرة
المجتمع وفرض الثقافة القومية العدوانية والمعادية للدين والقيم الروحية ,
كما بوشر
بالتصفيات الجسدية الفظيعة وبالأحكام القراقوشية التي تحاسب المرء على انتماءاته السياسية والفكرية بأثر رجعي!
كما بوشر بتنفيذ قانون قمعي غريب لم يعهده العالم من قبل وهو(عائلية العقوبة) ,بمعنى أن من يرتكب خطأ ضد
القيادة تتحمل عائلته أيضاً
تبعات ومسؤوليات ذلك الخطأ?ولا أدري أين الأصوات العربية التي تتباكى
اليوم على إندحار الفاشية البعثية ومواقفها من هكذا قوانين? ثم بدأت حملة
الإعدامات الكبرى لشباب الجامعات وفي توازي مدروس مع سياسة إنفتاح ودعاية قومية تضليلية توجت
بإعلان مايسمى ب¯(مثياق العمل القومي) في الثامن من شباط/فبراير1980, والذي ينص
على ضرورة أن يتكاتف العرب ضد أي خطر يهددهم وبأنه لايجوز أن يعتدي عربي على عربي مهما كانت الأسباب!! ولكن
الطريف والمأساوي هو أن النظام الصدامي هو الوحيد الذي إخترق ميثاقه القومي التدليسي عبر غزو وإستباحة دولة الكويت بذرائع ومسببات واهية وعقيمة!! وهو بذلك أول من
أثبت خواء كل الشعارات والأقاويل
البعثية!, على المستوى ا
لتعليمي والتربوي فقد شهدت الجامعات العراقية تركيزاً آيديولوجيا مكثفاً يتضمن الحط من قدر الثورة الإيرانية التي
إقتلعت عرش الطاووس الشاهنشاهي وأحدثت
زلزالا سياسيا ودينيا عميقا في المنطقة!, وأتذكر
أن أستاذنا في مادة تاريخ الخليج
العربي في جامعة البصرة وقتداك د.مصطفى عبدالقادر النجار الأمين العام الأسبق
لإتحاد المؤرخين العرب, وكان من المروجين العقائديين لسياسة السلطة البعثية, كان
يؤكد على أن من اهم أسباب الثورة الإيرانية هو تحالف قوى السوق(البازار)مع
المعارضة الشعبية وهو الأمر الذي لن يحدث
في العراق! وفعلا فقد بوشر إعتبارا من نيسان/إبريل1980 بحملة التهجير الشاملة
لمئات الآلاف من العراقيين ومن الموسرين وأصحاب المصانع ورجال الأعمال إلى إيران بذريعة أصولهم ا لإيرانية التي تعود لقرنين
من الزمان , وقبل تأسيس الدولة العراقية.
الحديثة!!وكان الأمر مهزلة تجاوزت حدود المأساة وفي ظل صمت دولي وعربي شامل وتام?
فلا خبر جاء ولاوحي نزل ولاشيء يهم عند العرب المشغولين اليوم بأحاديث الشرعية
وعدم الشرعية للوضع العراقي الحالي? المهم أن كل الغيوم كانت تتجمع في سماء المنطقة منذرة بقرب الإنفجار الكبير
والذي تدرج كما هي أساليب البعثيين المعروفة بحملات إعلامية شاملة ضد إيران
متصيدين أخطاء وتصريحات غير مسؤولة من مسؤولين إيرانيين عامدين إلى تضخيمها, وإبرازها على أن هنالك خطة إيرانية لإكتساح العراق وتحويله لمحمية
فارسية!! تسويقا ودعما للدعاية القومية
الفاشية,وكان تحرك ا لسلطة البعثية على مستويين داخلي في القمع والإرهاب الشديد وتجفيف المنابع وهو الملف ا
لذي مارسته بكل كفاءة الأجهزة الأمنية التي كانت تحت أمرة المجرم والأسير حاليا
برزان إبراهيم الحسن الكريتي مدير
المخابرات المرعب!وخارجي عبر سياسة الدبلوماسية و العصا والجزرة وسياسة
الرشوة القومية ا لتي طبقها المجرم المعتقل الآخر حاليا طارق عزيز يعاونه سعدون
حمادي ومحمد سعيد الصحاف وزمرة من الأزلام والعملاء العرب?لذلك لم نفاجأ حينما
إندلعت الحرب الشاملة ضد إيران حينما
سمعنا الشاعر الفلسطيني أديب ناصر وهو ينشد :
ياطفل زين القوس ...سلم على
القسطل وقل له عدنا..عدنا ولن نرحل?والشط في يافا..يبقى الهوى الأول?
أي أن بداية حملة الدجل وخلط
الأوراق قد إعتمدت على إستغلال القضية الفلسطينية مدعين أن تحرير (عربستان( هو
المقدمة لتحرير القدس?وكما تحول نفس
الخطاب البعثي الأعوج بعد إحتلال الكويت يقولإن طريق القدس تمر من الكويت)!!إنه
نموذج المزايدة والخداع البعثي الدائم?والذي كلف العراق والأمة العربية أثمانا
باهظة تدفعها الأجيال العراقية والعربية الناشئة اليوم, لقد إندلعت إذن نيران تلك
الحرب الضروس التي أراد النظام البائد إلباسها لباسا قوميا شاملا, وفي مؤامرة
واضحة هدفها تصفية القضية الفلسطينية
وخلق محاور صراع إقليمي جديد ووفق عناوين
وتبريرات تراوحت بين الحفاظ على الحكم الوطني البعثي من السقوط أمام الموجة
الفارسية!!لتصل إلى دعو ى الحفاظ على عروبة الخليج ,وإسترجاع الجزر الإماراتية
الثلاث في رأس الخليج العربي, والتي إستولى عليها شاه إيران السابق عام1971?وكذلك
دعوى (تحرير عربستان), من الإحتلال الإيراني,وهي كلها كما ترون أسباب إعتقدها النظام بأنها وجيهة وقوية في تغطية سياساته
العدوانية وأهدافها السرية التي توضحت بعد حين,وحينما طالت الحرب وإزداد سعيرها وتمدد المشروع الإسرائيلي في المنطقة, وتمت
تصفية الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان, وأجتيحت بيروت إسرائيليا بينما كان
العراقيون والإيرانيون في حالة أعنف إشتباك دموي في شرق البصرة في تموز /يوليو
1982,بعد إنكفاء وتراجع الجهد العسكري العراقي بعد هزيمة المحمرة في مايو/أيار
1982, وإنتقال العلميات العسكرية للعمق
العراقي, وحيث إشتعلت أشنع حرب إستنزاف في
تاريخ الشرق الأوسط كانت حصيلتها تدمير البنية الأساسية للجنوب العراقي المغضوب عليه,
وعسكرة المجتمع العراقي وعزله عن العالم ,وبداية رحلة الإنهيار العراقية الشاملة ,
حيث إستمرت الحرب لأكثر من ثمانية أعوام عجاف,حدثت خلالها فصول دموية مرعبة في
مأساويتها كمثل معارك الأهوار ومعارك الشمال ومعارك الجنوب وأبرزها معركة إحتلال
الفاو التي كلفت العراق أكثر من50 ألف
قتيل?ثم بعد أن تعبت جميع الأطراف تقرر
الإرادات الدولية فرض السلام
لتنتهي الحرب فجأة كما بدأت فجأة
وليعتبرها صدام أنها(كانت فتنة)!!ولكنه لم يقل لنا من دعا لتلك الفتنة وحارب في
سبيلها ? ومن ضيع العراقيين والعرب ,فبعد كل الخسائر في الأرواح والأرزاق يعود
الطرفان لتنفيذ إتفاق الجزائر
الحدودي المبرم عام1975 ?أي أن دماء
وأرواح الملايين الشباب قد ذهبت هدراً
وتلاشت هباءا في معركة عدمية أريد لها أن تحمل صفة وتسمية (القادسية) وهي
في حقيقتها مجرد عقد خدمة لنظام مخترق
وعميل لاينفذ إلا ماتمليه الإرادات الدولية? وبعد أقل من عامين على إنتهاء تلك
الحرب الكارثة تورط الشعب العراقي وزج في معركة بائسة وشنيعة مست كل جوانب الأصالة
الوطنية والقومية وهي عملية غزو وإجتياح الكويت ووفقا لسيناريوهات الخمسينيات
المضحكة حيث أن هنالك حركة شعبية إنقلابية طلبت العون من (الأشقاء في العراق)!!
وكانت نكتة مأساوية كبيرة ,كلفت العالم
العربي الكثير وأسست تأسيسا موضوعيا لحالة إنعدام الوزن العربي,فبعد خراب
الكويت وتدمير العراق وإنتفاض الشعب العراقي رفضا لمغامرات النظام العدوانية, عاد
النظام وتسلط ليمعن تمزيقا في العراق والأمة وليؤسس لمشروع الإنهيار الكبير في
(حواسمه) المخجلة التي تركت الشعب العراقي لمصيره?لقد كانت (قادسية صدام السوداء) نقطة البداية المركزية
لمشروع البعث الفاشي العدواني,
والذي تلاشى اليوم لتكون القادسية
والبعث وصدام مجرد ذكرى سوداء لأيام مؤلمة تحرص النخبة العراقية الحرة على الكفاح
من أجل أن لاتتكرر وأن لاينبثق مشروع فاشي جديد
من صفحة إيلاف (الانترنت)
21سبتمبر/أيلول2003
حزب البعث ...بداية
الوهم...ونهاية الأكاذيب..
داود البصري
السقوط والتراجع المدوي لحزب
البعث العربي الإشتراكي, لم يتأت فقط بسبب سقوط النظام البائد في العراق في التاسع
من نيسان الماضي ,والذي كان دون شك فتحا جليلاً, ونهاية حاسمة ومستحقة لحزب
ملأ الدنيا العربية, وشغل أبناء
العروبة ردحا طويلا من الزمن,وكان دون شك أحد أكبر معاول الهدم الحضاري لكل
عناصر ا لقوة في الحياة العربية سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا, لقد كان سقوط البعث
الحقيقي يسبق بكثير سقوطه ا لرسمي في ربيع بغداد ,وحيث تهاطلت ا لأحذية العراقية
لتصنع الخاتمة الجماهيرية
والحقيقية لذلك الحزب الفاشي الذي دمر كل شيء جميل في العراق والعالم
العربي أيضا,وتحول من كونه (إحياء مجيد لتراث الأمة العربية) كما يقول دستوره
التأسيسي إلى( طمس فريد لكل المعاني الإيجابية والحضارية في الحياة العربية)!,أقول
هذا الكلام بعد الدعايات المنتشرة من هذا المنبر أو ذاك حول إعادة البعثيين لتنظيم
صفوفهم وتهيؤهم للقيام بهجمة مضادة
يستردون بها مواقعهم المفقودة!! والأمر لايعدو تهويمات خيالية في عوالم الأحلام
الرومانسية!,فالبعث كفكرة وممارسة وإسم وعنوان, قد إنتهى وإلى الأبد من حياة
العراقيين, وكل من يزور العراق ويتحسس مشاعر الناس وآمالهم يعرف هذه الحقيقة
,ويعلم أن إسم البعث ككابوس إرهابي مرعب قد تلاشى وإلى الأبد
من حياة العراقيين وحتى من ذاكرتهم
الحية, وحيث يحاولون وبكل قواهم مسح ذكريات أيام
البعث الطويلة السوداء من ذاكرتهم الجمعية ليتمكنوا من الحياة
والإستمرار بعيدا عن الكوابيس المزعجة!, قد يختلف العراقيون حول كل شيء , حول
المستقبل والدستور وشكل الحكم وطبيعة البناء
الإقتصادي والتوجيه السياسي ولكنهم
متفقون على حقيقة واحدة موحدة تتمثل في
إنهاء أي ذكرى وإسم وعنوان للبعث وكل
مايمثله من مآسي وآلام في التاريخ العراقي الحديث.
فلقد قدر لهذا الحزب النافق,
وتحت ستار الحرب الباردة والتدخلات الدولية في إطار اللعبة الأممية, أن يستثمر
جيدا إتجاهات الرياح الدولية والإقليمية, وأن يستأثر بحصة الأسد في حكم العراق
طيلة الفترة التي أعقبت إنهيار النظام الملكي
الدستوري عام 1958 , وحيث قفز
الحزب للسلطة بطريقته الإنقلابية الدموية في الثامن من شباط/فبراير1963,منهيا حكم
الزعيم عبد الكريم قاسم بطريقة دموية بشعة, كانت الأساس المؤسس لفترة الإرهاب
البعثية الطويلة في التاريخ العراقي,فهم لم يجهزوا على قائد إنقلاب ا لرابع عشر من
تموز ورفاقه فقط بل أجهزوا على مجمل الحركة الوطنية العراقية, وبمباركة صريحة من
مركزهم القومي في الشام أيام ميشيل عفلق وقيادته القومية وباشروا بنشاط في إفتتاح
أعراس الدم العراقية والمقابر الجماعية, التي هي إمتياز مسجل
بإسمهم دون شريك وقتلوا من العراقيين الآلاف المؤلفة بذريعة شعوبية
الضحايا!وبهدف تحقيق الوحدة القومية العربية الشاملة, والتي لم يحققوها طيلة تا
ريخهم بل كانوا معولا من معاول هدمها وبطرق دموية ومؤمرات خسيسة لم تكن لتخطر على بال أخبث الشياطين!,وصلوا للسلطة
للمرة الأولى وحاولوا فرض منهجهم الفاشي, ولكنهم إصطدموا بصراعاتهم وإنشقاقاتهم
وإرتباطاتهم خلف الحدود, ليطردوا من السلطة بقوة الجيش العراقي, ولعنات الشعب الذي
فرضوا عليه آلتهم الإرهابية ا لرهيبة الأولى
المسماة(الحرس القومي),والتي دخلت تاريخ القمع العربي غير المدون بإعتبارها
من أولى المنظمات الفاشية العربية المتخصصة
في سحق البشر وإذلالهم, فكان البعثيون أمناءاً لفكرهم الفاشي ولقياداتهم المرتبطة
بالمخططات الدولية المشبوهة ,ولأسلوبهم الإرهابي في العمل التنظيمي السري المعتمد
على إستجلاب وتجنيد سقط متاع القوم من المجرمين والحثالات والساقطين إجتماعيا
,وإستثمارهم في مشاريع الوثوب على السلطة وفي التصدي المجرم للحركة الوطنية,
فإستمر حكمهم الأول لفترة تسعة شهور عجاف بلغت فيها معاناة العراقيين حدها الأقصى
,ليطرد البعثيون بعد ذلك, ولتستمر
المؤامرات الدولية التي توجت بالهزيمة
القومية الشاملة في الخامس من حزيران/يونيو1967 ,والتي هيأت المجال لمرحلة جديدة من الإنقلابات المشبوهة في العالم
العربي ,فجاء البعثيون في القطار الإميركي- الأنجليزي للمرة الثانية في السابع عشر من تموز /يوليو1968, في
إنقلاب القصر السهل بعد أن إستوت الطبخة
وفتحت أبواب القصر الجمهوري البغدادي على
مصراعيها, لثلة من الشقاة والمغامرين والقتلة والمجرمين ليسرقوا السلطة ويحيلوها
لوراثة عائلية عشائرية, مرت بأدوار فظيعة من التصفيات والتصفيات المضادة, إنتهت
بتدمير العراق على رؤوس ساكنية, والتسبب
في كوارث سياسية وعسكرية و إنسانية رهيبة في المنطقة العربية مازالت الأمة تعاني
منها حتى اليوم, وكان وثوبهم هذه المرة مبرمجا ومخططا بشكل جيد, روعي فيه الإتقان
والحرفنة وإنتحال الشعارات الثورية, والمباشرة الفعلية في إخلاء الساحة الداخلية
في العراق, من كل مايعكر المزاج البعثي الحاد!ثم المزايدة والمساومة في الساحة
القومية, وجعل العراق سا حة للتبشير بالفكر البعثي البائس المنطلق من إستثمار إمكانيات الدولة العراقية
المالية والسياسية في بناء المشروع البعثي
الكبير, ومع ذلك فقد فشل البعثيون فشلا ذريعا على المستوى القومي,وفشلوا في إستقطاب أي شعب عربي وفشلوا
في تكرار الحالة الإنقلابية, وكما هو الحال في القطرين المنكوبين العراق وسوريا
اللذين أُبتليا بهذا الحزب وبالسياسات الطائفية التي تسيره وبالعناصر المجرمة
المهمينة عليه? ولم يستطع البعثيون تكرار تجاربهم في أي قطر عربي آخر سوى عبر
التخريب وعمليات الإغتيال وشراء الذمم والأعمال السرية القذرة!وهو ماجعل من البعث
الحزب المنبوذ الأكبر في الحياة السياسة العربية.
وإذا كان ميشيل عفلق والبيطار
والحوراني وجلال السيد وغيرهم من قادة مرحلة التأسيس لذلك الحزب, قد حلموا
بمشروعهم القومي الشامل, إلا أن التاريخ سيظل يذكر لهم جنايتهم الكبرى على الإنسان
العربي وتآمرهم الشامل في سحقه وتدميره إذلا له, وحيث إنتهى البعث كفكرة ونظرية وممارسة
ووجود عقائد منذ منتصف الستينيات, ومنذ أن ودعه الشاعر الفلسطيني الراحل كمال ناصر
بقصيدته الشهيرة (لم يبق للبعث عندي ما
أغنيه ودعته وسأبقى العمر أبكيه!).
ولكن ماحصل فعلا أن ممارسات ذلك
الحزب الفاشي قد أبكت وأدمت عيون الملايين من أبناء الأمة الذين أبتلوا بحكمه الأسود.
لقد كانت بدايات البعث المشبوهة
نقطة البداية لهزيمة المشروع الحضاري العربي, كما كان سقوط البعث الحاسم تحت
ضربات(النعال) العراقي تتويجا تاريخيا لمسيرة, هي الأشد سوادا في ليل الهزائم
العربية الطويل.
فالبعث قد إنتهى وإلى الأبد ولا أعتقد أن هناك من يراهن اليوم على جثة البعث المتحللة!
من صحفة (إيلاف) ¯ الانترنت
Admin- Admin
- عدد الرسائل : 102
العمر : 48
الموقع : الـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍهُـٍـٍِـٍمَ صَـٍـٍِـٍلْ عَـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍىَ مُـٍـٍِـٍحَـٍـٍِـٍمَـٍـٍِـٍدٍ وََأَلِ م
العمل/الترفيه : الـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍهُـٍـٍِـٍمَ صَـٍـٍِـٍلْ عَـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍىَ مُـٍـٍِـٍحَـٍـٍِـٍمَـٍـٍِـٍدٍ وََأَلِ م
المزاج : الـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍهُـٍـٍِـٍمَ صَـٍـٍِـٍلْ عَـٍـٍِـٍلـٍـٍِـٍىَ مُـٍـٍِـٍحَـٍـٍِـٍمَـٍـٍِـٍدٍ وََأَلِ م
تاريخ التسجيل : 01/04/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى